شعيب عليه السلام خطيب الأنبياء


قصص الأنبياء فيها الفوائدُ والعِبر، نتعرفُ من خلالها أصنافَ الفسادِ عندَ البشر، وكيف تعاملَ معها الأنبياءُ والرُسل، فالدين نظامٌ شامل لجميعِ نواحي الحياة.

ففي قصة يوسُف عليهِ السلام نجدُ الفسادَ الاجتماعيّ، والطغيانَ السياسيّ في قصة موسى مع فرعون، واليوم نتحدثُ عن الفساد المالي من خلال قصة نبي الله شعيب عليه السلام.

من هو شعيب عليه السلام ؟
شعيب عليه السلام نبيّ عربيّ ينتسبُ إلى مَدين بن إبراهيم عليهِ السلام، كان رسول الله ﷺ إذا ذكرهُ قال: «ذاك خطيب الأنبياء لمراجعتِه قومه».



أصحاب الايكة قوم شعيب عليه السلام
مدين قرية قريبة من معان في الأردن قربَ بحيرةِ قوم لوط، كفرَ قوم مدين كفرًا شديدًا وعبدوا شجرة الأيكة {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ}، وكانوا بالإضافة لكفرهم فاسدين يعتدون على أموال الناس يسرقون ويظلمون، وإذا قاموا بالتجارة تعاملوا بالغش والخداع،
كما كانوا يتلاعبون بالوزن إذا باعوا وإذا اشتروا { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (86) وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}.
دعوة شعيب عليه السلام لقومه اهل مدين
بدأَ نبيّ الله شعيب عليهِ السلام يدعو قومَه مُشفقًا ناصحًا {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}.

ثم بيّن لهُم أنّ دورَه وما يملُكه لهُم هو الدعوة لصلاحهِم في الدنيا والآخرة {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}، الإصلاح شعارُ الدُعاة ولا أحد يستطيع أنْ يُجبر الناس على شيء.

بدأ ردّ قومِ مَدين على نبيّهم شُعيب: مستنكرين مفارقةَ ما يعبدهُ الآباء، معتبرينَ المالَ ملك يتصرّفون به على هواهم، ثم سخروا من تفكيرهِ وخلقِه {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، الإسلام يرفض التقليد فلا بدّ من الإيمان عن قناعة وتأمل.

فالمُقلّد في الإيمان لا إيمان له، كما أنّ المالَ مُلك الله والإنسان مثستخلفٌ فيه، وسيُسأل كيف اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟

لم يقابل شعيب عليه السلام سُخريتهم به بالرّد وإنما تعالى عن ذلك، فقضيته الدعوة إلى الله {وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (90) وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.

فكذّبوه واتهموه بأنه وقع بالسّحر واستكبروا فطلبوا أنْ منه أن يسقط عليهم السماء {قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (186) وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (187) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

ازداد تكبر أهل مدين وبدأوا يهددون شُعيب عليه السلام بطردِه والمؤمنين { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}.

ولم يتوقف عليه السلام عن الدعوة، فأصبحوا كلما كان يدعوهم يقولون له لم نفهم، ويطالبونه أن يعيد استكبارًا وسخرية، وجعلوا يهددونَه بالقتل {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}.

بعد أن وصل الأمر إلى التهديد بالقتل؛ توعدهم شعيب عليه السلام {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ}، وجعل يدعو عليهم {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}.

عذاب قوم شعيب اهل مدين
بدأ العذاب فتوقف الهواء فلا رياح، فارتفعت الحرارة وزادت الرطوبة حتى ضاقت أنفاسهم، ثم أرسل الله غيمة كبيرة خارج مدين فخرجوا جميعًا إلى الظل {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
وهناك أخذتهم الرجفة فزلزلت الأرض من تحتهم فسقطوا {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، ثم جاء جبريل فصاحَ بهِم فماتوا جميعًا {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}.
وفاة نبي الله شعيب عليه السلام
نظر شعيب عليه السلام إلى قومه بعد هلاكهم حزينً {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ}.

في قصة مدين قوم شعيب نموذج لعداء الدعوة، يظهر من خلاله الانحراف ليس عن الإيمان فحسب، ولكن انحراف الاقتصاد: (سلب ونهب، وتلاعب بالموازين، وربا ومكر وخداع).

عن منهج الله سبحانه وتعالى في المال: (لا ربا، ولا غشّ، ولا احتكار)، فالانحراف العقائدي والاقتصادي سبب لنزول البلاء في الدنيا قبل الآخرة

إرسال تعليق

أحدث أقدم