كتاب الزبور: المحتوى وعلى من نزل



الإيمان بالكتب السابقة ركن من أركان الإيمان الذي لا يتم الإيمان إلا به، والإيمان بالكتب السابقة يؤكّد وحدة الرسالات الإلهية، فالإسلام جامعٌ لكلِّ الديانات السماوية، والمسلمون أولى الناس جميعاً بقيادة البشرية على نهج الإسلام.

المؤمن يعتقدُ أنّ أيّ طائفة من أهل الكتاب يملكون أساساً وأصلاً لدينهم، وهذا ممّا يجعلُ أهل الكتاب قريبين من الإسلام والمسلمين لو أنصفوا، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13].

من هذه الكتب السماوية كتاب الزبور، فما هو هذا الكتاب السماوي؟ وعلى من أنزل؟ وما مضمونه؟

تعريف كتاب الزّبور
الزَّبُورُ لغة: الكتاب المَزبُورُ، والجمع زُبُرٌ، كما قالو رسول ورُسُل.

وقد غلب الزَّبُورُ على صُحُفِ داود، على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكل كتاب: زَبُورٌ، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾.؛ قال أَبو هريرة: الزَّبُورُ ما أُنزل على داود، من بعد الذكر: من بعد التوراة.

إذاً هو كتاب الله تعالى الذي أنزله على نبيه داود عليه السلام، قال تعالى ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء:163]، قال (ابن كثير): الزبور هو الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام، وكان داود عليه السلام حسن الصوت، فإذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه الإنس والجن والطير والوحوش لحسن صوته.

مضمون كتاب الزّبور
قالَ بعضُ المُفَسِّرين: إنَّ الزَّبورَ كانت فيهِ مواعظُ وحِكَمٌ، وفيهِ ثناءٌ على الله وحمدٍ له، لكنْ ليست فيه أحكامٌ شرعيَّةٌ تُبيّنُ الحلالَ والحَرامَ.
وقال (القرطبي): الزبور كتاب داود وكان (150) سورة ليس فيها أحكام ولا حلال ولا حرام، وإنما هو حِكَم ومواعظ، ومنه أنّ الأرض لله -تعالى- يُورثها لعباده الصالحين، لِقولهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء:105].
 

موقف المسلم من الزبور: كتاب الزبور قد حُرّف من بعد داود عليه السلام، والموقف الذي ينبغي أن يتّخذه المسلم من كتاب (الزبور)، مثل الموقف من كتب (التوراة والإنجيل):
أن يؤمن بما ورد فيها مما قرره القرآن الكريم، أمّا ما وردَ مخالفاً أصول القرآن العامة فلا يؤمن به، بل يعتقدُ في بطلانه.
القصص والمواعظ التي لم يذكرها القرآن، ولا تناقض أصوله فلا يصدقها ولا يكذبها، وذلك اتباعاً لما ورد عن النبي ﷺ: (ما حدّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا امنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقاً لم تُكَذّبوهم، وإن كان باطلاً لم تُصَدّقوهم) [تخريج مشكل الآثار لشعيب الأرناؤوط-5197].
فأخبار أهل الكتاب على ثلاثة أقسام:
ما علمنا صحته، وشهد له بالصدق ما بأيدينا من الوحي؛ فذاك صحيح.
ما علمنا كذبه، ودلّ على كذبه مخالفته لما لدينا من الوحي.
ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمنُ به ولا نكذبه، وتجوزُ حكايته لما أخرج البخاري في «صحيحه» أنّ النبيَّ ﷺ قال: (بلغوا عني ولو اية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) [البخاري-3461].
الزبور في القرآن
﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: 163].
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [الإسراء: 55].
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء:105].
ولتعلم أخي القارئ أنَّ القرآن الكريم قد اشتمل على كلّ ما سبقه من كتب، وهو سليم من أي تحريف، فالقرآن يُصدّق بالكتب السابقة، وهو المرجع الوحيد لبيان ما فيها من حق، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 48].

وما دامَ اللهُ تعالى قد ذكر لنا الزّبُورَ في القرآنِ الكريمِ، فيجِبُ علينا أنْ نُؤْمنُ بأنَّ هُناكَ كتابٌ اسمهُ الزَّبُورُ أنزلهُ الله على نبيٍّ من أنبيائِهِ اسمهُ داود عليه السلام.

كما طلب الله من المُسلمين أن يُؤمنوا بكُلِّ الأنبياء فقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:136].



على من أُنزل كتاب الزبور من الأنبياء؟ وإلى ماذا يدعو؟
أنزل كتاب الزبور على نبي الله داود عليه الصلاة والسلام.

إلى ماذا يدعو كتاب الزبور؟
كتاب الزبور والكتب السماوية نزلت من الله تعالى على عباده من الأنبياء والرسل؛ بهدف دعوة الناس إلى توحيد الله تعالى وترك الكفر والشرك بغير الله، وعمل الصالحات والطاعات والابتعاد عن كلّ معصية وذنب.
كلَّ ما وردَ في الزَّبُورِ أو التّوراةِ والإنجيلِ وغيرها (المنزلة من الله) منَ الخيرِ والهدى والأحكام التي فيها مصلحةُ الخلقِ قد تضمّنها القرآنُ الكريمُ، وزادَ عليها أحكاماً كثيرةً.
وكُلُّها تُقِرُّ بأنَّ الله واحدٌ، وهو الإلهُ المعبودُ بحقٍّ، وهوَ الرَّبُّ الرَّازقُ والمُعْطي والمانع، سُبحانهُ وتعالى.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
الإيمان بالقرآن الكريم والكتب السماوية د علي محمد الصلابي.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
جامع البيان عن تأويل القرآن – تفسير الطبري
الجامع الصحيح للإمام البخاري
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
لسان العرب لابن منظور

إرسال تعليق

أحدث أقدم