الموت رحلة انتقال من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ، حياة لا كما نعرف عن الحياة، فالبرزخ أول منازل الآخرة، وللناس في الموت والبرزخ صورتان، وهكذا يكون الاستقبال:
«إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزلت إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة..»، «وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح..».
ما هو الموت ؟
هو الانفصال الرئيسي للروح عن الجسد، ويسمى (القيامة الصغرى)، فمن مات فقد قامت قيامته وحان حينه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رجال من الأعراب يأتون فيسألون النبي ﷺ عن الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: «إنْ يعش هذا، لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم».
قال ابن كثير: (المراد انخرام قرنهم -موت من عاش في ذلك الوقت-، ودخولهم في عالم الآخرة، فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة، وبعض الناس يقول من مات فقد قامت قيامته، وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح).
ما هو البرزخ ؟
عندما تخرج الروح من جسد الإنسان بموته، تنطلق إلى السماء ثم تعود لجسد الإنسان، فتبقى في حياة البرزخ بطريقة عجيبة، وتسمى هذه الفترة (نعيم القبر أو عذابه)، لكن هناك أناسًا مخصوصين وأرواحهم لها مكان خاص، من هؤلاء:
الأنبياء: يروي البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي ﷺ في آخر لحظات حياته يقول: «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، والنبي ﷺ التقى بالأنبياء في السماوات ورد ذلك في حديث المعراج.
الشهداء: قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، أجسادهم لا تبلى، جاء في الحديث: «أرواحهم في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل»، ومن طلب الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
ما هي حياة البرزخ ؟
حياة البرزخ حياة انتقال وانتظار: (فيها شيء من نعيم لمن يستحقه، وشيء من عذاب لمن يستحقه).
تعود الروح إلى الجسد في البرزخ لكن ليس على الوجه المعهود في الدنيا، وإنما بحياة خاصة، كما النائم نراه يتألم ويفرح دون حراك، والانسان يصيبه عذاب القبر ونعيمه سواء دُفن أم لم يُدفن.
الفرق بين الموت والبرزخ
في الموت: تنفصل الروح عن الجسد، أما في البرزخ: فتعود الروح إلى الجسد، فيعيش حياة خاصة لا نعلم كنهها.
الموت والبرزخ في القرآن
الموت في القرآن الكريم
جاءت الآيات تحثنا على ذكر الموت وقصر الأمل: فتدعونا إلى عدم التعلق بالأمل الطويل، فهو يشغل الإنسان عن الآخرة، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].
أخفى الله علم الأجل عنا: فلا ندري متى يوافينا الأجل؟ وما ندري أين نموت؟ وذلك لنكون على أهبة الاستعداد في كل لحظة من حياتنا، قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34].
وقوع الموت محتوم: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34].
الخسارة الحقيقة أن تشغلك الدنيا عن ذكر الله والاستعداد للقائه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9].
إذا جاء الموت فلا عودة ولا تأخير: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (100) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100].
الموت حق على كل مخلوق: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88].
لا أحد يُخَلّد في الدنيا، وليس أحد أكرم على الله من رسوله: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} أأنلياء:34].
البرزخ في القرآن الكريم
عذاب وهوان للكفار في البرزخ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:93].
(الدنيا والبرزخ) عذابين قبل عذاب الآخرة : {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:101].
عرض الكفار على النار في البرزخ: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (46) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46].
التثبيت للمؤمنين في القبر: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم:27].
الموت والبرزخ في السنة النبوية
الموت في السنة النبوية
يتغافل الناس عن حقيقة الموت: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون».
الآجال مضروبة: سمع النبي ﷺ أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها تدعوا فتقول: (اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ﷺ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية)، فقال النبي ﷺ: «لقد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيء قبل أجله، ولن يؤخر الله شيئًا بعد أجله، ولو كنت سألت الله أنْ يعيذك من عذاب النار وعذاب القبر كان خيرًا وأفضل».
علمه عند الله تعالى: يروي البخاري في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: «مفاتح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلا الله: ثم قرأ {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
البرزخ في السنة النبوية
عذاب أهل القبور: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلَت عليَّ عجوزتان من عُجُز يهود المدينةِ، فقالتا: إنَّ أهل القبور يعذَّبون في قبورهم، فَكَذَّبتُهُما ولم أنعَم أن أصدِّقَهُما، فخرجتا ودخل عليَّ رسول اللَّه ﷺ فقلت: يا رسول اللَّه، إنَّ عجوزتين من عُجزِ يهود المدينةِ قالَتا: إنَّ أهل القبور يعذَّبون في قبورهم، قال: «صدقتا إنَّهم يعذَّبون عذابًا تسمعه البهائم كلها، فما رأيته صلَّى صلاة إلَّا تعوَّذ مِن عذاب القبرِ».
البلاء في القبور: قال رسول الله ﷺ: «إنّ هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه» [رواه مسلم].
الاستعاذة من عذاب القبر: عنْ أبي هريرة - رضى الله عنه - قَال: قال رسول اَللَّه ﷺ: «إذا تشهَّد أحدكم فليستعذ باللَّه منْ أربعٍ، يقول: اللهم إني أعوذ بك مِنْ عذاب جهنم، ومِنْ عذاب القبر، ومِنْ فتنة المحيا والممات، ومِنْ شرّ فتنة المسيحِ الدَّجَّال» [متفق عليه]
Tags:
قصص دينية