قصص الأنبياء فيها العبر العظيمة لأصحاب العقول الواعية، ذكر لنا القرآن الكريم قصصاً كثيرة أثناء حديثه عن الأنبياء والرسل، لعلّ أبرزها قصة قابيل وهابيل ابني آدم عليه السلام، قصة تجلّى فيها الحسد بين الإخوة.
فكان سبب أول جريمة ارتكبها البشر، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}.
بداية التناسل بين البشر
عاقب الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم وأمّنا حواء، بعد أن خالفا أمر الله وأكلا من الشجرة، فأنزلهما من الجنة إلى الأرض، وهنا يجب أنْ نعلم أن هذه المعصية اشترك فيها سيدنا أدم وحواء مع إبليس، لكن إبليس أبى واستكبر ،وأصرّ على معصيته، وقال:
﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾، بينما آدم وحوّاء اعترفا بخطئهما وطلبا المغفرة ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فتاب الله عليهما ،ولم يلعنهما كما لعن إبليس.
بدأت حياة جديدة لسيدنا آدم وحواء على الأرض، فبعد حياة الجنة في نعيم، حيث لا تعب ولا شقاء، جاءت الآن حياة المشقة والتعب، وأعطى الله آدم الأدوات التي تساعده على البقاء حياً على هذه الأرض، وأهم هذه الأدوات (العلم) تعلم كل الصناعات الأساسية: النجارة، والحدادة، وغيرها.
وهذا يدلّ على أنًّ آدم عليه السلام نزل عالماً موحداً ،ولم ينزل جاهلاً كما يصوره اليوم دعاة الفتنة، وبث الله سبحانه البشر من آدم وحواء ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾.
أولاد ادم وحواء
ولدت حواء (40) ولداً وبنتاً، في كل ولادة توأم -ولد وبنت-، في عشرين ولادة، بدأت بـ (قابيل وأخته)، وعاش آدم وعمًّر (1000) سنة تقريباً، فقد كانوا يعيشون طويلاً ويتناسلون حتى تكثر البشرية، وآدم هو نبيهم وهاديهم والمشرّع لهم: يخبرهم عن الله عز وجل، وعن الجنة وما فيها، وكيف عصى الله؟ وحذرهم من عدوهم وعدوه إبليس.
إذاً البشرية بدأت موحّدة لله تعالى، وبدأت بأساسات الحضارة، ولم تبدأ كما يصفون لنا البشر عراة ؛يهيمون في الغابات لا يعرفون شيئًا، فعبدوا الأشجار ثم الحجارة ثم الشمس ثم..، كلا لم يحث هذا، بل كان التوحيد من أول يوم في حياة البشر.
سواءً في الجنة وعلى ظهر الأرض، وكانوا يلبسون الثياب من أول يوم ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ﴾، وقصص الأنبياء تعلمنا تاريخ البشرية، وكيف تطورت الحضارات.
تشريع زواج قابيل وهابيل أبناء آدم
أنزل الله تشريعات على آدم وأبنائه، ومن هذه التشريعات:
تشريع الزواج: كان البشر كلهم إخوة، فأحلّ الله لهم الزواج من الأخت، لأن الحاجة تدعوا إلى ذلك، لكن الشرط كان أنه لا يجوز للأخ أن يتزوج أخته التوأم التي ولد معها.
كانت أخت قابيل التوأم جميلة جدًا، أما هابيل فأخته عادية، فرفض قابيل هذا التشريع، لكنًّ آدم عليه السلام أصرّ، لأنه تشريع من خالق البشر، فغضب قابيل وحقد على هابيل.
تشريع القرابين: إنّ تقريب القرابين لله تعالى كان مشروعاً، والقربان يشبه الأضحية الآن، يقدمها العبد لله تعالى ثم تأتي العلامة بقبولها أو عدم قبولها من الله.
قربان قابيل وهابيل
دعا آدم عليه السلام أبناءه لتقريب القرابين: كان قابيل يعمل في الزرع، وهابيل كان يعمل في الرعي، فقرّب هابيل أفضل ما عنده من خراف فذبحه وتقرب به إلى الله عز وجل.
أما قابيل بحث عن أسوأ زرع عنده، ثم أخذه وقربه إلى الله عز وجل، فجاءت العلامات بقبول قربان هابيل، ورفض قربان قابيل، فالله سبحانه وتعالى طيّب لا يقبل إلا طيبًا، فازداد حقد قابيل على هابيل.
قتل قابيل هابيل
ذهب قابيل إلى هابيل وقال: لأقتلنك، أنت الذي أخذت أختي، وأنت الذي جعلت الله يغضب علي، وأنت وأنت…، جعله سبب كل المصائب التي حدثت له، تعجب هابيل من هذا الكلام.
تريد أن تقتلني يا أخي؟ لماذا؟ فهم كانوا يقتلون الحيوانات ليأكلوها وليس لمجرد القتل، يصور الله لنا رد هابيل على قابيل فقال: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ لن أدافع عن نفسي.
وبدأ قابيل يتربّص بأخيه، ووقعت أول جريمة قتل عندما جاء قابيل بحجرٍ فرضخ به رأس أخيه وهو نائم فقتله، ثم احتار ماذا يفعل؟ فهم لا يعرفون الدفن، لأنهم ما مات عندهم أحد قبل هذا، فحمل أخاه على ظهره وظل يدور به، لا يدري ماذا يفعل؟
فأراد الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا كيف ندفن، وتبقى كرامة الجسد البشري، فأرسل الله له غرابين يقتتلان، فمات أحدهما، فقام الغراب الآخر وحفر حفرة في الأرض، ودفع الغراب الميت برجله وسقط في الحفرة، ثم حثا عليه التراب، فتعلم قابيل كيف يدفن، يقول الله عز وجل:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾.
أول انقسام بين البشر
قام قابيل بسفك أول دمٍ للبشر على هذه الأرض، ولم يتب توبةً نصوحًا ولكنه استحى من أبيه، فلم يرجع إلى أبيه، وخرج بزوجته وأولاده إلى السهل، فآدم وأهله كانوا يسكنون في منطقة جبلية، ثم أصدر آدم عليه السلام تشريعاً بعدم الاختلاط بقابيل وذريته عقوبة لهم.
وأمر باعتزالهم حتى لا ينتشر الفساد بين أبناء آدم الأخرين، وهنا انقسمت البشرية لأول مرة: آدم ومن معه في الجبال، وقابيل ومن معه في السهول، واستمروا يتكاثرون، كل في مكانه دون اختلاط فيما بينهم.
عودة إبليس إلى إغواء البشر وظهور المعازف
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إنّ أهل السهول كان فيها النساء جميلات أما الرجال ففيهم دمامة، بينما الذين في الجبال فبالعكس الرجال فيهم صباحة، بينما النساء دميمات)، وأهل السهول رغم أنهم كانوا فاسدين، لكنهم ظلوا موحدين، فأراد إبليس أن يغريهم بالمفاسد.
فتشكل في صورة إنسان، وجاء إلى واحد من أهل السهول، وأخذ يرعى عنده الغنم، ثم صنع مزمارًا فاجتمعوا إليه، وبدأوا يغنون ويرقصون على هذه الأصوات، ثم إنّ أهل الجبال سمعوا الأصوات، فبدأ الفضول عندهم، ورأوا جمال النساء اللواتي في السهول، وهنا بدأت العلاقات المحرمة.
كان آدم عليه السلام يحذّر ذريته من الاختلاط بهم، لكن الإغراء شديد ففي أحد أيام الرقص تبرجت النسوة تبرجاً شديداً، وإذا بأحد أهل الجبال يدخل بينهم، وأخذ يلعب معهم ويرقص معهم، ثم حدث الزنا لأول مرة في التاريخ، وبدأ الفساد والانحراف بشدة بين البشرية، يقول ابن عباس رضي الله عنه راوي القصة:
فذلك قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ﴾.
هكذا بدأت قصة البشرية وانحرافها، وظل آدم يدعو أبنائه إلى الله عز وجل ويحثهم على الصلاح والاستغفار وبقي التوحيد في الأرض لكن الانحراف أخذ يزداد، ثم بدأ الصراع بين الحق والباطل.
قصة قابيل وهابيل كما وردت في القرآن
قال الله تعالى:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۞ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۞ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ۞ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۞ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ۞ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾.
الدروس المستفادة من قصة قابيل وهابيل
الله هو المشرّعُ لكل المخلوقات، وليس لأحد أنْ يحيد عن تشريعات الله إلى تشريعات نفسه وهواه، فنحن البشر عاجزون عن فهم مراد الله، ونظرنا قاصر عن الإحاطة بكل الأمور.
الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّباً، فإذا أردت أن ترضي الله عليك أنْ تجود بأطيب ما عندك.
علينا أن نروض نفسنا على حب الخير للغير، وننزع من قلوبنا الحقد، لأن الحقد كان سبب أول جريمة على هذه الأرض.
كلنا معرضون للخطأ والمعصية وارتكاب الذنوب، وهذا من طبيعة البشر، ولكن ماذا بعد المعصية؟ إما أن تكون كأبيك آدم وتظهر التوبة والندم والاستغفار، فتنال مغفرة الله ورضاه، أو تتبع نهج إبليس وقابيل، وتنال غضب الله واللعن من الله.
المجتمعات الناجحة هي التي يتعاون أفرادها فيما بينهم، ويأخذون بأيدي بعض، والاعتصام تحت راية التوحيد يشكل قوة لأصحاب هذه الراية.
لابد لنا من الاعتقاد جازمين أنّ الشيطان هو أكبر عدوٍ لنا، وأنه لن يعتقنا أو يتركنا نعبد الله ونطيعه، وسيبقى يوسوس لنا كما وسوس لآدم وحواء من قبل، فلنتخذه عدو لنا حتى ننجو من فتنه.
الاختلاط بين الرجال والنساء محرم، ولا يجوز إلا للضرورات وبضوابط شرعية، دون تبرج أو سفور أو ميوعة في الكلام.
قصة قابيل وهابيل، هي قصة إبليس وآدم، هي قصة إبراهيم والنمرود، هي قصة موسى وفرعون، هي قصة محمد وكفار قريش، هي قصة الخير والشر إلى قيام الساعة.
هذه الأرض ليست موطننا، بل الجنة موطننا إن شاء الله، فلنسع جاهدين للعودة إلى موطننا الأصلي.
Tags:
قصص دينية