‫الكبيرة السادسة و العشرون : الظلم‬

‫الكبيرة السادسة و العشرون : الظلم‬
‫بأكل أموال الناس و أخذها ظلما و ظلم الناس و الشتم و التعدي و الإستطالة على الضعفاء‬ ‫قال الله تعالى : { و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي‬ ‫رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى‬ ‫أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين‬ ‫ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال } و قال الله تعالى : { إنما السبيل على الذين‬ ‫يظلمون الناس } و قال الله تعالى : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }‬ ‫و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ] ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و‬ ‫سلم : { و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد }‬ ‫و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا‬ ‫يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه‬ ‫فحمل عليه ]‬ ‫و قال صلى الله عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى : أنه قال : [ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته‬ ‫بينكم محرما فلا تظالموا ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أتدرون من المفلس ؟ قالوا : يا رسول الله‬ ‫المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع فقال : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و حج‬ ‫فيأتي و قد شتم هذا و أخذ مال هذا و نبش عن عرض هذا و ضرب هذا و سفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته‬ ‫و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار ] و هذه‬ ‫الأحاديث كلها في الصحاح و تقدم حديث : [ إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و‬ ‫تقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمين : [ و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب ] و في الصحيح : [‬ ‫من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة ]‬ ‫و في بعض الكتب يقول الله تعالى : [ اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصرا غيري ] و أنشد بعضهم :‬ ‫) لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم يرجع عقباه إلى الندم (‬ ‫) تنام عيناك و المظلوم منتبه ... يدعو عليك و عين الله لم تنم (‬ ‫و كان بعض السلف يقول : لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء و قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن‬ ‫الحباري لتموت في وكرها هزالا من ظلم الظالم و قيل مكتوب في التوراة : ينادي مناد من وراء الجسر ـ يعني‬ ‫الصراط ـ يا معشر الجبابرة الطغاة و يا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته و جلاله أن لا يجاوز هذا الجسر‬ ‫اليوم ظالم عن جابر قال : لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا‬ ‫تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ فقال فتية كانوا منهم : بلى يا رسول الله بينما نحن يوما جلوس إذ مرت‬ ‫بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت‬ ‫المرأة على ركبتيها و انكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت : سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي و‬ ‫جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غدا‬ ‫قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم ؟ ]‬ ‫) إذا ما الظلوم استوطأ مركبا ... و لج عتوا في قبيح اكتسابه (‬ ‫) فكله إلى صرف الزمان و عدله ... سيبدو له ما لم يكن في حسابه (‬\n‫و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا و‬ ‫إلا أمر بهم في الآخرة إلى النار : أمير قوم يأخذ حقه من رعيته و لا ينصفهم من نفسه و لا يدفع الظلم عنهم و‬ ‫زعيم قوم يطيعونه و لا يساوي بين القوي و الضعيف و يتكلم بالهوى و رجل لا يأمر أهله و ولده بطاعة الله و لا‬ ‫يعلمهم أمر دينهم و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل و لم يوفه أجرته و رجل ظلم امرأة صداقها ]‬ ‫و عن عبد الله بن سلام قال : إن الله تعالى لما خلق الخلق و استووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء و قالوا‬ ‫: يا رب مع من أنت ؟ قال : مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه و عن وهب بن منبه قال : بني جبار من الجبابرة‬ ‫قصرا و شيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخا تأوي إليه فركب الجبار يوما و طاف حول القصر فرأى‬ ‫الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوما فقالت : من هدمه‬ ‫؟ فقيل : الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء و قالت : يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت‬ ‫أنت ؟ قال : فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من كان فيه فقلبه‬ ‫و قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال : يا أبتي بعد العز صرنا في القيد و الحبس فقال : يا بني دعوة المظلوم‬ ‫سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله عنها و كان يزيد بن حكيم يقول : ما هبت أحدا قط هيبتي رجلا ظلمته و أنا‬ ‫أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي : حسبي الله : الله بيني و بينك‬ ‫و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعرا :‬ ‫) أما و الله إن الظلم شوم ... و ما زال المسيء هو المظلوم (‬ ‫) ستعلم يا ظلوم إذا التقينا ... غدا عند المليك من الملوم (‬ ‫و عن أبي أمامة قال : يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جنهم لقيه المظلوم و عرفه ما ظلمه به فما‬ ‫يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من‬ ‫سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار‬ ‫و [ عن عبد الله بن أنيس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة‬ ‫غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة‬ ‫أن يدخل الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار و عنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة فما فوقها و لا يظلم ربك‬ ‫أحد قلنا يا رسول الله كيف و إنما نأتي حفاة عراة فقال : بالحسنات و السيئات جزاء و لا يظلم ربك أحد ا ] و‬ ‫جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة ] و مما ذكر أن كسرى‬ ‫اتخذ مؤدبا لولده يعلمه و يؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوما و ضربه ضربا‬ ‫شديدا من غير جرم و لا سبب فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم و‬ ‫قال له : ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا و كذا ضريا وجيعا من غير جرم و لا سبب فقال المعلم : اعلم أيها‬ ‫الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك فأردت أن أذيقك ألم الضرب و ألم‬ ‫الظلم حتى لا تظلم أحدا فقال : جزاك الله خيرا ثم أمر له بجائزة و صرفه‬ ‫و من الظلم أخذ مال اليتيم و تقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله : واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها‬ ‫و بين الله حجاب‬ ‫و في رواية أن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام و يقول الرب تبارك و تعالى : و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد‬ ‫حين و أنشدوا شعرا :‬ ‫) توق دعا المظلوم إن دعاءه ... ليرفع فوق السحب ثم يجاب (‬ ‫) توق دعا من ليس بين دعائه ... و بين إله العالمين حجاب (‬ ‫) و لا تحسبن الله مطرحا له ... و لا أنه يخفى عليه خطاب (‬ ‫) فقد صح أن الله قال و عزتي ... لأنصر المظلوم و هو مثاب (‬ ‫) فمن لك يصدق ذا الحديث فإنه ... جهول و إلا عقله فمصاب (‬ ‫فصل : و من أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله‬ ‫عليه و سلم قال : [ مطل الغني ظلم ] و في رواية [ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ] أي يحل شكايته و‬ ‫حبسه‬ ‫فصل : و من الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها و هو داخل في قوله صلى الله عليه و سلم‬ ‫[ لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ]‬ ‫و عن بن مسعود رضي الله عنه قال : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان‬ ‫ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه قال : فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها ثم‬ ‫قرأ : فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما شاء و لا يغفر من حقوق الناس شيئا‬ ‫فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى لأصحاب الحقوق : ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة : خذوا‬ ‫من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا الله و فضل له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له‬ ‫حتى يدخله الجنة بها و إن كان عبدا شقيا و لم يفضل له شيء فتقول الملائكة : ربنا فنيت حسناته و بقي طالبوه‬ ‫فيقول الله : خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صك له صكا إلى النار و يؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي‬ ‫صلى الله عليه و سلم : [ أتدرون من المفلس ؟ فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام‬ ‫و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا فيؤخذ من حسناته و لهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن‬ ‫يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ]‬ ‫فصل : و من الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل و لا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري : أن رسول‬ ‫الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى : [ ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه خصمته : رجل‬ ‫أعطى بي غدر و رجل باع حرا فأكل ثمنه و رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل و لم يعطه أجرته ] و كذلك إذا‬ ‫ظلم يهوديا أو نصرانيا أو نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله تعالى : أنا‬ ‫حجيجه ـ أو قال أنا خصمه ـ يوم القيامة و من ذلك أن يحلف على دين في ذمته كاذبا فاجرا لما ثبت في‬ ‫الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار‬ ‫و حرم عليه الجنة قيل : يا رسول الله و إن كان شيئا يسيرا ؟ قال و إن قضيبا من أراك ]‬ ‫) فخف القصاص غدا إذا وفيت ما ... كسبت يداك اليوم بالقسطاس (‬ ‫) في موقف ما فيه إلا شاخص ... أو مهطع أو مقنع للراس (‬ ‫) أعضاؤهم فيه الشهود و سجنهم ... نار و حاكمهم شديد البأس (‬ ‫) أن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى ... فغدا تؤديها مع الإفلاس (‬ ‫و قد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال‬ ‫النبي صلى الله عليه و سلم : [ لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ] و‬ ‫قال صلى الله عليه و سلم : [ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا‬ ‫يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات‬ ‫صاحبه فحمل عليه ثم طرح في النار ] و [ روى عبد الله بن أبي الدنيا بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله‬ ‫صلى الله عليه و سلم قال : أول من يختصم يوم القيامة الرجل و امرأته و الله ما يتكلم لسانها و لكن يداها و‬ ‫رجلاها يشهدان عليها بما كانت تعنث لزوجها في الدنيا و يشهد على الرجل يده و رجله بما كان يولي زوجته من‬ ‫خير أو شر ثم يدعى بالرجل و خدمه مثل ذلك فما يؤخذ منهم دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا الظالم‬ ‫تدفع إلى هذا المظلوم و سيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال‬ ‫سوقوهم إلى النار ] و كان شريح القاضي يقول : سيعلم الظالمون حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب و‬ ‫المظلوم ينتظر النصر و الثواب‬ ‫و روي أنه أراد الله بعبده خيرا سلط عليه من يظلمه و دخل طاوس اليماني على هشام بن عبد الملك فقال له : اتق‬ ‫الله يوم الأذان قال هشام : و ما يوم الأذان ؟ قال : قال الله تعالى : { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين }‬ ‫فصعق هشام فقال طاوس : هذا ذا الصفة فكيف بذل المعاينة ؟ يا راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم ؟ السجن‬ ‫جنهم و الحق الحاكم !‬ ‫فصل : في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم قال الله تعالى { و لا تركنوا إلى الذين ظلموا‬ ‫فتمسكم النار } و الركون ههنا السكون إلى الشيء و الميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا تميلوا‬ ‫كل الميل في المحبة و لين الكلام و المودة و قال السدي و ابن زيد : لا تدانهوا الظلمة و قال عكرمة : هو أن‬ ‫يطيعهم و يودهم و قال أبو العالية : لا ترضوا بأعمالهم { فتمسكم النار } فيصيبكم لفحها { و ما لكم من دون‬ ‫الله من أولياء } و قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله { ثم لا تنصرون } لا‬ ‫تمنعون من عذابه و قال الله تعالى : { احشروا الذين ظلموا و أزواجهم } أي أشباههم و أمثالهم و أتباعهم [ و عن‬ ‫ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من‬ ‫الناس يظلمون و يكذبون فمن دخل عليهم و صدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه و من لم‬ ‫يدخل عليهم و لم يعنهم على ظلمهم فهو مني و أنا منه ] و [ عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم من‬ ‫أعان ظالما سلط عليه ] و قال سعيد بن المسيب رحمه الله : لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم‬ ‫لئلا تحبط أعمالكم الصالحة و قال مكحول الدمشقي : ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة و أعوانهم ؟ فما يبقى‬ ‫أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلما فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار‬ ‫فيلقون في جنهم و جاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال : إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان‬ ‫الظلمة ؟ فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم و لكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة و الخيوط‬ ‫و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون‬ ‫معهم الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة ] و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الجلاوزة و الشرط‬ ‫كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة‬ ‫و قد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني اسرائيل أن لا يتلو من ذكري فإني أذكر من ذكرني‬ ‫و أن ذكري إياهم أن ألعنهم و في رواية فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة و جاء عن النبي صلى ا الله عليه و سلم‬ ‫أنه قال : [ لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم‬ ‫يدفعوا عنه ]‬ ‫و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أتى رجل في قبره فقيل له : إنا ضاربوك مائة ضربة فلم‬ ‫يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه فالتهب القبر عليه نارا فقال : لم ضربتموني هذه الضربة ؟‬ ‫فقالوا : إنك صليت صلاة بلا طهور و مررت برجل مظلوم فلم تنصره ] فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة‬ ‫على نصره فكيف حال الظالم ! ؟‬ ‫و قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال يا‬ ‫رسول الله : أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ]‬ ‫و مما حكي قال بعض العارفين : رأيت في المنام رجلا ممن يخدم الظلمة و المكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت‬ ‫له ما أحوالك ؟ قال : شر حال فقلت : إلى أين صرت ؟ قال : إلى عذاب الله قلت : فما حال الظلمة عنده ؟ قال‬ ‫شر حال أما سمعت قول الله عز و جل : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } و مما حكي قال بعضهم‬ ‫رأيت رجلا مقطوع اليد من الكتف و هو ينادي من رآني فلا يظلمن أحدا فتقدمت إليه فقلت له : يا أخي ما‬ ‫قصتك ؟ قال : يا أخي قصة عجيبة و ذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوما صيادا و قد اصطاد سمكة كبيرة‬ ‫فأعجبتني فجئت إليه فقلت : أعطني هذه السمكة فقال : لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي فضربته و أخذتها‬ ‫منه قهرا و مضيت بها قال : فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي و‬ ‫ألقيتها من يدي ضربت على إبهامي و آلمتني ألما شديدا حتى لم أنم من شدة الوجع و الألم و ورمت يدي فلما‬ ‫أصبحت أتيت الطبيب و شكوت إليه الألم فقال : هذه بدء الآكلة أقطعها و إلا تقطع يدك فقطعت إبهامي ثم‬ ‫ضربت على يدي فلم أطق النوم و لا القرار من شدة الألم فقيل لي : إقطع كفك فقطعته و انتشر الألم إلى الساعد و‬ ‫آلمني ألما شديدا و لم أطق القرار و جعلت أستغيث من شدة الألم : فقيل لي : اقطعها إلى المرفق فقطعتها فانتشر الألم‬ ‫إلى العضد و ضربت على عضدي أشد من الألم الأول فقيل اقطع يدك من كتفك و إلا سرى إلى جسدك كله‬ ‫فقطعتها فقال لي بعض الناس : ما سبب ألمك ؟ فذكرت قصة السمكة فقال لي : لو كنت رجعت في أول ما أصابك‬ ‫الألم إلى صاحب السمكة و استحللت منه و أرضيته لما قطعت من أعضائك عضوا فاذهب الآن إليه و اطلب رضاه‬ ‫قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال : فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته فوقعت على رجليه أقبلها و أبكي و قلت له‬ ‫: يا سيدي سألتك بالله إلا عفوت عني فقال لي : و من أنت ؟ قلت : أنا الذي أخذت منك السمكة غصبا و‬ ‫ذكرت ما جرى و أريته يدي فبكى حين رآها ثم قال : يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء‬ ‫فقلت : يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها ؟ قال : نعم قلت : اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على‬ ‫ضعفي على ما رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه فقلت : يا سيدي قد أراك الله قدرته في و أنا تائب إلى الله عز و جل‬ ‫عما كنت عليه من خدمة الظلمة و لا عدت أقف لهم على باب و لا أكون من أعوانهم ما دمت حيا إن شاء الله و‬ ‫بالله التوفيق‬ ‫موعظة : إخواني كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها و كم أنزل أجسادا بجارها لم يجارها و كم أجرى العيون‬ ‫كالعيون بعد قرارها ـ شعر :‬ ‫) يا معرضا بوصال عيش ناغم ... ستصد عنه طائعا أو كارها (‬ ‫) إن الحوادث تزعج الأحرار عن ... أوطانها و الطير عن أوكارها (‬ ‫أين من ملك المغارب و المشارق و عمر النواحي و غرس الحدائق و نال الأماني و ركب العوائق ؟ صاح به من داره‬ ‫غراب بين ناعق و طرقه في لهوه أقطع طارق و زجرت عليه رعود و صواعق و حل به ما شيب بعض المفارق و قلاه‬ ‫الحبيب الذي لم يفارق و هجره الصديق و الرفيق الصادق و نقل من جوار المخلوقين إلى جوار الخالق نازله و الله‬ ‫الموت فلم يحاشه و أذله بالقهر بعد عز جاشه و أبدله خشن التراب بعد لين فراشه و مزقه الدود في قبره كتمز يق‬ ‫قماشه و بقي في ضنك شديد من معاشه و بعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه و الله الإحتراز و لا ردت عنه‬ ‫الركاز بل ضره من الزاد الأعواز و صار و الله عبرة للمجتاز و قطع شاسعا من السبل الأوفاز و بقي رهينا لا‬ ‫يدري أهلك أم فاز و هذا لك بعد أيام و ما أنت فيه الآن أحلام و دنياك لا تصلح و ما سمعت ستراه غدا على‬ ‫التمام و يقع لي ولك ويحك ! أما يؤثر فيك الكلام ؟‬

إرسال تعليق

أحدث أقدم