‫الكبيرة الثالثة و الأربعون : النمام‬

‫الكبيرة الثالثة و الأربعون : النمام‬
‫و هو من ينقل الحديث بين الناس على جهة الإفساد بينهم هذا بيانها :‬ ‫و أما أحكامها فهي حرام بإجماع المسلمين و قد تظاهرت على تحريمها الدلائل الشرعية من الكتاب و السنة قال الله‬ ‫تعالى :‬ ‫{ و لا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم }‬ ‫و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يدخل الجنة نمام ] و في الحديث أن رسول الله‬ ‫صلى الله عليه و سلم مر بقبرين قال : [ إنهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير أما أنه كبير أما أحدهما فكان لا‬ ‫يستبرىء من بوله و أما الآخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبه فشقها اثنتين و غرز في كل قبر واحدة و‬ ‫قال لعله أن يخف عنهما ما لم ييبسا ]‬ ‫و قوله : و ما يعذبان في كبير أي ليس بكبير تركه عليهما أو ليس بكبير في زعمهما و لهذا قال في رواية أخرى : [‬ ‫بلى إنه كبير ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تجدون شر الناس ذا‬ ‫الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه و من كان ذا لسانين في الدنيا فإن الله يجعل له لسانين من نار يوم‬ ‫القيامة ] و معنى من كان ذا لسانين أي يتكلم مع هؤلاء بكلام و هؤلاء بكلام و هو بمعنى صاحب الوجهين قال‬ ‫الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله : إنما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير إلى المقول فيه بقوله فلان يقول فيك‬ ‫كذا و ليست النميمة مخصوصة بذلك بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو‬ ‫ثالث و سواء أكان الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الإيماء أو نحوها و سواء كان من الأقوال أو الأعمال و‬ ‫سواء كان عيبا أو غيره فحقيقة النميمة إفشاء السر و هتك الستر عما يكره كشفه و ينبغي للإنسان أن يسكت‬ ‫عن كل ما رآه من أحوال الناس إلا ما في حكايته فائدة للمسلمين أو دفع معصية قال : و كل من حملت إليه نميمة‬ ‫و قيل له قال فيك فلان كذا و كذا لزمه ستة أحوال :‬ ‫الأول : أن لا يصدقه لأنه نمام فاسق و هو مردود الخبر‬ ‫الثاني : أن ينهاه عن ذلك و ينصحه و يقبح فعله‬ ‫الثالث : أن يبغضه في الله عز و جل فإنه بغيض عند الله و البغض في الله واجب‬ ‫الرابع : أن لا يظن في المنقول عنه السوء لقوله تعالى : { اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم }‬ ‫الخامس : أن لا يحمله ما حكي له على التجسس و البحث عن تحقق ذلك قال الله سبحانه و تعالى : { و لا‬ ‫تجسسوا }‬ ‫السادس : أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا يحكي نميمته‬ ‫و قد جاء أن رجلا ذكر لعمر بن عبد العزيز رجلا بشيء فقال عمر : يا هذا إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت‬ ‫صادقا فأنت من أهل هذه الآية { إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } و إن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية { هماز‬ ‫مشاء بنميم } و إن شئت عفونا عنك فقال : العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدا‬ ‫و رفع إنسان رقعة إلى الصاحب بن عباد رحمه الله يحثه فيها على أخذ مال اليتيم و كان له مال كثير فكتب على‬ ‫ظهر الرقعة : النميمة قبيحة و إن كانت صحيحة و الميت رحمه الله و اليتيم جبره الله و المال ثمره الله و الساعي لعنه‬ ‫الله‬ ‫و قال الحسن البصري : من نقل إليك حديثا فاعلم أنه ينقل إلى غيرك حديثك و هذا مثل قول الناس : من نقل‬ ‫إليك نقل عنك فاحذره و قال ابن المبارك : ولد الزنا لا يكتم الحديث أشار به إلى أن كل من لا يكتم الحديث و‬ ‫مشى بالنميمة دل على أنه ولد الزنا استنباطا من قول الله تعالى : { عتل بعد ذلك زنيم } و الزنيم هو الدعي‬ ‫و روي أن بعض السلف الصالحين زار أخا له و ذكر له عن بعض إخوانه شيئا يكرهه فقال له : يا أخي أطلت‬ ‫الغيبة و أتيتني بثلاث جنايات : بغضت إلي أخي و شغلت قلبي بسببه و اهتمت نفسك الأمينة و كان بعضهم يقول‬ ‫: من أخبرك بشتم عن أخيك فهو الشاتم لك و جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما فقال : إن فلانا‬ ‫شتمك و قال عنك كذا و كذا فقال : اذهب بنا إليه فذهب معه و هو يرى أنه ينتصر لنفسه فلما وصل إليه قال :‬ ‫يا أخي إن كان ما قلت في حقا فغفر الله لي و إن كان ما قلت في باطلا فغفر الله لك و قيل في قول الله تعالى : {‬ ‫حمالة الحطب } يعني امرأة أبي لهب إنها كانت تنقل الحديث بالنميمة سمى النميمة حطبا لأنها سبب العداوة كما أن‬ ‫الحطب سبب لاشتعال النار و يقال عمل النمام أضر من عمل الشيطان لأن عمل الشيطان بالوسوسة و عمل النمام‬ ‫بالمواجهة‬ ‫حكاية : روي أن غلاما يباع و هو ينادي عليه ليس به عيب إلا أنه نمام فقط فاستخف بالعيب و اشتراه فمكث‬ ‫عنده أياما ثم قال لزوجة سيده : إن سيدي يريد أن يتزوج عليك أو يتسرى و قال أنه لا يحبك فإن أردت أن‬ ‫يعطف عليك و يترك ما عزم عليه فإذا نام فخذي الموسى و احلقي شعرات من تحت لحيته و اتركي الشعرات و‬ ‫اتركي الشعرات معك فقالت في نفسها : نعم و اشتغل قلب المرأة و عزمت على ذلك إذا نام زوجها ثم جاء إلى‬ ‫زوجها و قال سيدي : إن سيدتي زوجتك قد اتخذت لها صديقا و محبا غيرك و مالت إليه و تريد أن تخلص منك و‬ ‫قد عزمت على ذبحك الليلة و إن لم تصدقني فتناوم لها الليلة و انظر كيف تجيء إليك و في يدها شيء تريد أن‬ ‫تذبحك به و صدقه سيده فلما كان الليل جاءت المرأة بالموسى لتحلق الشعرات من تحت لحيته و الرجل يتناوم لها‬ ‫فقال في نفسه : و الله صدق الغلام بما قال فلما وضعت المرأة الموسى و أهوت إلى حلقه قام و أخذ الموسى منها و‬ ‫ذبحها به فجاء أهلها فرأوها مقتولة فقتلوه فوقع القتال بين الفريقين بشؤم ذلك العبد المشئوم فلذلك سمى الله النمام‬ ‫فاسقا في قوله تعالى : { إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين }‬ ‫) موعظة ( يا من أسره الهوى فما يستطيع له فكاكا يا غافلا عن التلف و قد أدركه إدراكا يا مغرورا بسلامته و قد‬ ‫نصب له الموت أشراكا تفكر في ارتحالك و أنت على حالك فإن لم تبك فتباكى‬ ‫) بكيت فما تبكي شباب صباك ... كفاك نذير الشيب فيك كفاك (‬ ‫) ألم تر أن الشيب قد قام ناعيا ... مكان الشباب الغض ثم نعاك (‬ ‫) ألم تر يوما مر إلا كأنه ... بإهلاكه للهالكين عناكا (‬ ‫) ألا أيها الفاني و قد حان حينه ... أتطمع أن تبقى فلست هناكا (‬ ‫) ستمضي و يبقى ما تراه كما ترى ... فينساك ما خلفته هو ذاكا (‬ ‫) تموت كما مات الذين نسيتهم ... و تنسى و يهوى الحي بعد هواكا (‬ ‫) كأنك قد أقصيت بعد تقرب ... إليك و إن باك عليك بكاكا (‬ ‫) كأن الذي يحثو عليك من الثرى ... يريد بما يحثو عليك رضاكا (‬ ‫) كأن خطوب الدهر لم تجر ساعة ... عليك إذا الخطب الجليل أتاكا (‬ ‫) ترى الأرض كم فيها رهون دفينة ... غلقن فلم يقبل من فكاكا (‬

إرسال تعليق

أحدث أقدم