قصص الأنبياء نفهم من خلالها التاريخ ومجرى التاريخ، ونعتبر بما حدث للأمم قبلنا، ونتعلم من الأنبياء منهج الدعوة إلى الله رب العالمين، صالح عليه السلام نبيّ عربيّ أرسله الله لقوم ثمود في منطقة الحجر، دعاهم ونصحهم وحذرهم أن يصيبهم ما أصاب قوم عاد، وأرسل الله لهم الناقة معجزة دالّة على صدق نبيهم، ولكنهم كذّبوا وكفروا فأهلكم الله.
من هو النبي صالح عليه السلام ؟
صالح عليه السلام بن عبيد بن إساف، ينتسب إلى ثمود بن عاد، من ذرّية إرم بن سام بن نوح عليه السلام، نبيّ عربيّ الأصل، أحدُ الأنبياءِ العرب الأربعة: (محمد، شعيب، صالح، هود) عليهم أفضل الصلاة والسلام.
من هم قوم ثمود ؟
“ثمود” قوم من العربِ العاربة الأصل الذي ترجعُ له “عاد” ذاته، لكنّ ثمود سكنوا في منطقةِ “الحجر” التي تقعُ شمالَ غربِ المدينة المنورة بمسافة 380 كلم، وتعرفُ اليومَ باسم (مدائن صالح)، وفي القرآن الكريم سورة “الحجر”.
نحت قوم ثمود الجبال
أعطى الله سبحانهُ قومَ ثمود من النعمِ ما أعطاهُ من قبلهِم قوم عاد، فسكنوا السهولَ ونحتوا الجبال، وأعطاهم الخلافة في الأرض من بعدهم {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}،
كما منّ عليهم بالأنهار والجنات والنعيم {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (147) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (148) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (149) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (150) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.
نبوة صالح عليه السلام وتبليغ الرسالة
أرسلَ الله صالح إلى قوم ثمود، فدعاهم ناصحًا أمينًا رفيقًا بهم {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}،
ولكنّهم مع الأسف كذّبوا وجحدوا، يقول الله عن ثمود {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}، هم كذّبوا صالح لكن الله يرشدنا إلى أنّ تكذيب رسول واحد هو تكذيب لجميع الأنبياء والمرسلين؛ فدعوتهم جميعًا واحدة ومن ربّ وخالق واحد وبمنهج واحد.
وكان صالح عليه السلام ذو نسب شريف رفيع في ثمود، وكان ذا عقل راجح وحكمة، يرجعون إليه في خصوماتهم، ويستشيرونه في أمور حياتهم، وأوشكوا أن يجعلوه ملكًا عليهم قبل بعثته {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}.
ثم انتقل قوم ثمود إلى مرحلة التكذيب والاستهزاء {فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (25) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}،
كما جعلوا يصدّون المؤمنين إمعانًا في التكذيب {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}، وأشاعوا بين الناس أنّ صالحًا ومن معه مشؤمين { قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}.
طلب قوم ثمود من صالح عليه السلام
وفي أحدِ الأيام اجتمعَ صالح عليه السلام بكبارِ قومهِ يدعوهم، إلا أنهم استمرّوا على عنادهم، ثم أرادوا تعجيزه فطالبوه بعلامة معجزة تدل على صدقه، وجعلوا يشترطون في طلبهم ضاحكين مستهزئين:
فطلبوا أنْ تنشقّ الصخرةِ الكبيرة التي في أرضهِم وتخرجُ منها ناقة.
ثم وضعوا لهذه الناقةِ وصفًا أنها ضخمة بحيثُ إذا شربت لم تترك ماء لغيرها.
واختاروا لها لونًا أحمرًا، وطلبوا أن تكون حاملًا على وشك الولادة.
معجزة سيدنا صالح
لمًا فرغ قوم صالح من شروطهم في العلامة حتى يؤمنوا، تحدّاهم وأمرهم أن يجمعوا الناس أمام الصخرة، وفي مشهد معجز عجيب اهتزّت الصخرة وانشقت فخرجت منها ناقة عظيمة على الوصف الذي ذكروه
{ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}، انبهر قوم ثمود بما رأوا، ولكن سرعان ما أنكروا وجحدوا فجعلوه سحرًا، ولم يؤمن منهم إلا القليل.
حذّرهم صالح عليه السلام من إيذاء الناقة أو التعرضّ لها بسوء، كما أنّ لها يوم تشرب فيه حسب شرطهم ولهم يوم، فأصبح قوم ثمود أما خيارين: إما أن يؤمنوا أو يؤذوا الناقة فيهلكوا بالعذاب {إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (28) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ}.
تحدي قوم نبي الله صالح بنزول العذاب عليهم
عاشت الناقة بين قوم ثمود: (تشرب يومًا، ويشربون يومًا، ويجمعون ما يحتاجونه من الماء ليومها، ويشربون من حليبها)، ثم إنّ كبار القوم اجتمعوا ورأوا أنّ في وجود الناقة خطر على مكانتهم، وخافوا من إيمان الناس بنبوة صالح عليه السلام، فتآمروا على قتل الناقة.
تطوّع أشقى القوم (قُدار بن ساف بن جذع) لقتل الناقة، يقول الله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ}، {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا}، وجاء في حديث النبي ﷺ أنّ أشقى الأولين: عاقر الناقة.
وكان “قدار” هذا:
رجلًا قويّا شقيًّا.
من عائلة ذات منعة تحميه.
يقود مجموعة من الشباب الفاسدين {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}.
اتفق هذا الشقيّ وأصحابه مع كبار قوم ثمود، ثم تشاوروا مع بقية الناس، ووافق الجميع علة قتل الناقة، فترصد “قدار” للناقة وهي عائدة مع صغيرها من الماء، فجاء من خلفها فعقرها -قطع رجلها- فسقطت، فأقبل أصحابه حتى قتلوها، ثم تبعوا صغيرها لمّا هرب وحاصروه وقتلوه، ثم جاء أهل القرية يتقاسمون لحمها،
ثم تحدّوا نبي الله صالح أنْ يأتهم العذاب {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
نهاية قوم ثمود ونجاة صالح عليه السلام ومن معه
لما عقر قوم ثمود الناقة وتحدّوا صالح عليه السلام طالبين العذاب، فأمهلهم ثلاثة أيام فقط حتى يأتيهم العذاب {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}، بعد هذا لم يرجع قوم ثمود ويتوبوا بل أمعنوا في تكذيبهم وعنادهم،
وأرادوا قتل نبي الله صالح ومن معه { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (50) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.
انطلق النفر التسعة المفسدون لقتل صالح عليه السلام، ولكن الله كان قد أمره أن يخرج ومن معه باتجاه فلسطين، ولمّا دخلوا بيته دمّره الله عليهم {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}،
وكان عضب الله على ثمود عظيمًا: فقوم نوح دمروا بالطوفان العظيم، وقوم هود أهلكوا بالرّيح، أما قوم صالح فلم يكن عذابًا واحدًا وإنما أصناف من العذاب، لماذا؟!
لأنهم طلبوا آية، فجاءتهم على شروطهم فكفروا، وقريش لما طلبوا آية لم يستجب الله لهم لأنّ سنة الله أنه إذا أرسل آية ولم يؤمن الناس دمّرهم.
عذاب قوم ثمود
اصفرّت وجوههم في أول يوم.
ثم احمرّت في اليوم الثاني.
وفي الثالث اسّودّت، فعرفوا صدق صالح وجعلوا يحفرون قبورهم بأيديهم.
ثم جاءهم زلزال فوقعوا على ركبهم {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}.
ثم جاءتهم الصاعقة { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (44) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ}.
وأخيرًا بصيحة واحدة من جبريل ماتوا جميعًا وأصبحوا كالنبات اليابس المتفتت { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ }، { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (68) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ}.
وفاة نبي الله صالح عليه السلام
تأسف صالح عليه السلام على قومه وحزن لكفرهم {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}، وعاش نبي الله صالح عليه السلام مع من آمن معه في مدينة الرملة بفلسطين حتى توفاه الله تعالى.
مرور نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم بقوم ثمود
بقيت آثار ثمود حتى مرّ النبي ﷺ عليها وأصحابه في طريقهم إلى غزوة تبوك، فأخذ بعض الناس من الماء وعجنوا به واستخدموا بعض الآنية، فلما وصل الخبر لرسول الله ﷺ قال: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم»، ثم أمرهم فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل.
Tags:
قصص دينية