الكبيرة الثالثة و الستون : الأمن من مكر الله
قال الله تعالى { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة } أي أخذهم عذابنا من حيث لا يشعرون قال الحسن : من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له و من قتر عليه فلم ير أنه ينظر إليه فلا رأي له ثم قرأ هذه الآية : { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } و قال : مكر بالقوم و رب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا و [ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب و هو مقيم على معصيته فإنما ذلك منه استدراج ثم قرأ : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } ] الإبلاس : اليأس من النجاة عند ورود الهلكة و قال ابن عباس أيسوا من كل خير و قال الزجاج : المبلس الشديد الحسرة اليائس الحزين و في الأثر : أنه لما مكر بإبليس ـ و كان من الملائكة ـ طفق جبريل و ميكال يبكيان فقال الله عز و جل لهما : مالكما تبكيان ؟ قالا : يا رب ما نأمن مكرك فقال الله تعالى : هكذا كونا لا تأمنا مكري و كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول : [ يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ] فقيل له يا رسول الله أتخاف علينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ] و في الحديث الصحيح [ إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ] و في صحيح البخاري [ عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار و إنه من الجنة و يعمل ا لرجل بعمل أهل الجنة و إنه من أهل النار و إنما الأعمال بالخواتيم ] و قد قص الله تعالى في كتابه العزيز قصة بلعام و إنه سلب الإيمان بعد العلم و المعرفة و كذلك برصيصا العابد مات على الكفر و روي أنه كان رجل بمصر ملتزم المسجد لللآذان و الصلاة و عليه بهاء العبادة و أنوار الطاعة فرقي يوما المنارة على عادته للآذان و كان تحت المنارة دار لنصراني ذمي فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار ـ و كانت جميلة ـ فافتتن بها و ترك الآذان و نزل إليها فقالت له : ما شأنك و ما تريد ؟ فقال : أنت أريد قالت : لا أجيبك إلى ريبة قال لها أتزوجك قالت له : أنت مسلم و أبي لا يزوجني بك قال : أتنصر قالت له : إن فعلت أفعل فتنصر ليتزوجها و أقام معهم في الدار فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط فمات فلا هو فاز بدينه و لا هو تمتع بها نعوذ بالله من مكره و سوء العافية و سوء الخاتمة و [ عن سالم عن عبد الله قال : كان كثيرا ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحلف لا و مقلب القلوب ] رواه البخاري و معناه يصرفها أسرع من ممر الريح على اختلاف في القبول و الرد و الإرادة و الكراهة و غير ذلك من الأوصاف و في التنزيل { و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه } قال مجاهد : المعنى يحول بين المرء و عقله حتى لا يدري ما تصنع بنانه { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } أي عقل و اختار الطبري أن يكون ذلك إخبارا من الله تعالى أنه أملك لقلوب العباد منهم و أنه يحول بينهم و بينها إن شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئة الله عز و جل و [ قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك فقلت : يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا فهل تخشى ؟ قال : و ما يؤمنني يا عائشة و قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه ] فإذا كانت الهداية معروفة و الإستقامة على مشيئته موقوفة و العاقبة مغيبة و الإرادة غير مغالبة فلا تعجب بإيمانك و عملك و صلاتك و صومك و جميع قربك ذلك إن كان من كسبك فإنه من خلق ربك و فضله الدار عليك فمهما افتخرت بذلك كنت مفتخرا بمتاع غيرك ربما سلبه عنك فعاد قلبك من الخير أخلى من جوف العير فكم من روضة أمست و زهرها يانع عميم أضحت و زهرها يابس هشيم إذ هبت عليها الريح العقيم كذلك العبد يمسي و قلبه بطاعة الله مشرق سليم و يصبح و هو بمعصية الله مظلم سقيم ذلك تقدير ا لعزيز العظيم ابن آدم الأقلام عليك تجري و أنت في غفلة لا تدري ابن آدم دع المغاني و الأوتار و المنازل و الديار و التنافس في هذه الدار حتى ترى ما فعلت في أمرك الأقدار قال الربيع : سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ينادي مناد من قبل العرش : أين فلان أين فلان فلا يسمع أحد ذلك الصوت إلا و تضطرب فرائصه قال فيقول الله عز و جل لذلك الشخص : أنت المطلوب هلم إلى العرض على خالق السموات و الأرض فيشخص الخلق بأبصارهم اتجاه العرش و يوقف ذلك الشخص بين يدي الله عز و جل فيلقي الله عز و جل عليه من نوره يستره عن المخلوقين ثم يقول له : عبدي أما علمت أني كنت أشاهد عملك في دار الدنيا ؟ فيقول : بلى يا رب فيقول الله تعالى : عبدي أما سمعت بنقمتي و عذابي لمن عصاني ؟ فيقول : بلى يا رب فيقول الله تعالى : أما سمعت بجزائي و ثوابي لمن أطاعني ؟ فيقول : بلى يا رب فيقول الله تعالى : يا عبدي عصيتني ؟ فيقول : يا رب قد كان ذلك فيقول الله تعالى : عبدي فما ظنك اليوم بي ؟ فيقول يا رب أن تعفو عني فيقول الله تعالى : عبدي تحققت أني أعفو عنك ؟ فيقول : نعم يا رب لأنك رأيتني على المعصية و سترتها علي : قال فيقول الله عز و جل : قد عفوت عنك و غفرت لك و حققت ظنك خذ كتابك بيمينك فما كان فيه من حسنة فقد قبلتها و ما كان من سيئة فقد غفرتها لك و أنا الجواد الكريم إلهنا لولا محبتك للغفران ما أمهلت من يبارزك بالعصيان و لولا عفوك و كرمك ما سكنت الجنان اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا اللهم انظر إلينا نظر الرضى و أثبتنا في ديوان أهل الصفا و نجنا من ديوان أهل الجفا اللهم حقق بالرجاء آمالنا و حسن في جميع الأحوال أعمالنا و سهل في بلوغ رضاك سبلنا و خذ إلى الخيرات بنواصينا و آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار
Tags:
الكبائر