‫الكبيرة الثامنة : عقوق الوالدين‬

‫الكبيرة الثامنة : عقوق الوالدين‬
‫قال الله تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } أي برا و شفقة و عطفا عليهما { إما يبلغن‬ ‫عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما } : أي لا تقل لهما بتبرم إذا كبرا و أسنا و ينبغي أن‬ ‫تتولى خدمتهما ما توليا من خدمتك على أن الفضل للمتقدم و كيف يقع التساوي و قد كانا يحملان أذاك راجين‬ ‫حياتك و أنت إن حملت أذاهما رجوت موتهما ثم قال الله تعالى : { و قل لهما قولا كريما } أي لينا لطيفا { واخفض‬ ‫لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } و قال الله تعالى : { أن اشكر لي و لوالديك إلي‬ ‫المصير } فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثلاث آيات نزلت مقرونة‬ ‫بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها ) إحداهما ( قول الله تعالى : { أطيعوا الله و أطيعوا الرسول } فمن أطاع الله‬ ‫و لم يطع الرسول لم يقبل منه ) الثانية ( قول الله تعالى : { و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة } فمن صلى و لم يزك لم‬ ‫يقبل منه ) الثالثة ( قول الله تعالى : { أن اشكر لي و لوالديك } فمن شكر الله و لم يشكر لوالديه لم يقبل منه و لذا‬ ‫قال النبي صلى الله عليه و سلم [ رضى الله في رضى الوالدين و سخط الله في سخط الوالدين ]‬ ‫و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم في الجهاد معه فقال النبي‬ ‫صلى الله عليه و سلم : أحي والداك ؟ قال : نعم قال : ففيهما فجاهد ] مخرج في الصحيحين فانظر كيف فضل بر‬ ‫الوالدين و خدمتهما على الجهاد !‬ ‫و في الصحيحين [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله و عقوق‬ ‫الوالدين ] فانظر كيف قرن الإساءة إليهما و عدم البر و الإحسان بالإشراك و في الصحيحين أيضا [ أن رسول الله‬ ‫صلى الله عليه و سلم قال : لا يدخل الجنة عاق و لا منان و لا مدمن خمر ] و عنه صلى الله عليه و سلم قال : [‬ ‫لو علم الله شيئا أدنى من الأف لنهى عنه فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة و ليعمل البار ما شاء أن‬ ‫يعمل فلن يدخل النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ لعن الله العاق لوالديه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [‬ ‫لعن الله من سب أباه لعن الله من سب أمه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء‬ ‫إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة ]‬ ‫و قال كعب الأحبار رحمه الله : إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقا لوالديه ليعجل له العذاب و أن الله ليز يد في‬ ‫عمر العبد إذا كان بارا بوالديه ليزيده برا و خيرا و من برهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا فقد جاء رجل إلى النبي‬ ‫صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاج مالي فقال صلى الله عليه و سلم : [ أنت و مالك‬ ‫لأبيك ] و سئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ما هو ؟ قال هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمها و إذا‬ ‫أمره بأمر لم يطع أمرهما و إذا سألاه شيئا لم يعطهما و إذا ائتمناه خانهما‬ ‫و سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم و ما الأعراف ؟ فقال : أما الأعراف فهو جبل بين‬ ‫الجنة و النار و إ نما سمي الأعراف لأنه مشرف على الجنة و النار و عليه أشجار و ثمار و أنهار و عيون و أما الرجال‬ ‫الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم و أمهاهتم فقتلوا في الجهاد فمنعهم القتل في سبيل‬ ‫الله من دخول النار و منعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره‬ ‫و في الصحيحين [ أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن‬ ‫الصحبة ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أبوك ثم الأقرب‬ ‫فالأقرب ] فحض على بر الأم ثلاث مرات و على بر الأب مرة واحدة و ما ذاك إلا لأن عناءها أكثر و شفقتها‬ ‫أعظم مع ما تقاسيه من حمل و طلق و ولادة و رضاعة و سهر ليل‬ ‫رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلا قد حمل أمه على رقبته و هو يطوف بها حول الكعبة فقال : يابن عمر أتراني‬ ‫جازيتها ؟ قال : و لا بطلقة واحدة من طلقاهتا و لكن قد أحسنت و الله يثيبك على القليل كثيرا‬ ‫و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أربعة نفر حق على الله أن لا‬ ‫يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها : مدمن خمر و آكل ربا و آكل مال اليتيم ظلما و العا ق لوالديه إلا أن يتوبوا ] و‬ ‫قال صلى الله عليه و سلم : [ الجنة تحت أقدام الأمهات ] و جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال : يا أبا‬ ‫الدرداء إني تزوجت امرأة و إن أمي تأمرني بطلاقها فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم‬ ‫يقول : [ الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [‬ ‫ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم و دعوة المسافر و دعوة الوالد على ولده ] و قال صلى‬ ‫الله عليه و سلم : [ الخالة بمنزلة الأم أي في البر و الإكرام و الصلة و الإحسان ] و عن وهب بن منبه قال : إن الله‬ ‫تعالى أوحى إلى موسى صلوات الله و سلامه عليه يا موسى وقر والديك فإن من وقر والديه مددت في عمره و‬ ‫وهبت له ولدا يوقره و من عق والديه قصرت في عمره و وهبت له ولدا يعقه‬ ‫و قال أبو بكر بن أبي مريم : قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل و قال وهب : قرأت في التوراة : على من‬ ‫صك والده الرجم‬ ‫و عن عمرو بن مرة الجنهي قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أرأيت إذا‬ ‫صليت الصلوات الخمس و صمت رمضان و أديت الزكاة و حججت البيت فماذا لي ؟ فقال رسول الله صلى الله‬ ‫عليه و سلم : [ من فعل ذلك كان مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين إلا أن يعق والديه ] و قال صلى‬ ‫الله عليه و سلم : [ لعن الله العاق والديه ] و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ رأيت ليلة أسري‬ ‫بي أقواما في النار معلقين في جذوع من نار فقلت : يا جبريل من هؤلاء قال : الذين يشتمون آباءهم و أمهاهتم في‬ ‫الدنيا ]‬ ‫و روي أن من شتم والديه ينزل عليه في قبره جمر من نار بعدد كل قطر ينزل من السماء إلى الأرض و يروى أنه إذا‬ ‫دفن عاق والديه عصره القبر حتى تختلف فيه أضلاعه و أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : المشرك و الزاني و‬ ‫العاق لوالديه‬ ‫و قال بشر : ما من رجل يقرب من أمه حيث حيث يسمع كلامها إلا كان أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل‬ ‫الله و النظر إليها أفضل من كل شيء [ و جاء رجل و امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يختصمان في صبي‬ ‫لهما فقال الرجل : يا رسول الله ولدي خرج من صلبي و قالت المرأة : يا رسول الله حمله خفا و وضعه شهوة و‬ ‫حملته كرها و وضعته كرها و أرضعته حولين كاملين فقضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمه ]‬ ‫) موعظة ( : أيها المضيع لآكد الحقوق المعتاض من بر الوالدين العقوق الناسي لما يجب عليه الغافل عما بين يديه بر‬ ‫الوالدين عليك دين و أنت تتعاطاه باتباع الشين تطلب الجنة بزعمك و هي تحت أقدام أمك حملتك في بطنها تسعة‬ ‫أشهر كأنها تسع حجج و كابدت عند الوضع ما يذيب المهج و أرضعتك من ثديها لبنا و أطارت لأجلك وسنا و‬ ‫غسلت بيمينها عنك الأذى و آثرتك على نفسها بالغذ اء و صيرت حجرها لك مهدا و أنالتك إحسانا و رفدا فإن‬ ‫أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية و أطالت الحزن و النحيب و بذلت مالها للطبيب و لو‬ ‫خيرت بين حياتك و موتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها هذا و كم عاملتها بسوء الخلق مرارا فدعت لك بالتوفيق‬ ‫سرا و جهارا فلما احتاجت عند الكبر إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك فشبعت و هي جائعة و رويت و هي‬ ‫قانعة و قدمت عليها أهلك و أولادك بالإحسان و قابلت أياديها بالنسيان و صعب لديك أمرها و هو يسير و طال‬ ‫عليك عمرها و هو قصير هجرهتا و مالها سواك نصير هذا و مولاك قد نهاك عن التأفف و عاتبك في حقها بعتاب‬ ‫لطيف ستعاقب في دنياك بعقوق البنين و في أخراك بالبعد من رب العالمين يناديك بلسان التوبيخ و التهديد ) ذلك‬ ‫بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد ( :‬ ‫) لأمك حق لو علمت كثير ... كثيرك يا هذا لديه يسير (‬ ‫) فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي ... لها من جواها أنة و زفير (‬ ‫) و في الوضع لو تدري عليها مشقة ... فمن غصص منها الفؤاد يطير (‬ ‫) و كم غسلت عنك الأذى بيمينها ... و ما حجرها إلا لديك سرير (‬ ‫) و تفديك بما تشتكيه بنفسها ... و من ثديها شرب لديك نمير (‬ ‫) و كم مرة جاعت و أعطتك قوهتا ... حنانا و إشفاقا و أنت صغير (‬ ‫) فآها لذي عقل و يتبع الهوى ... و آها لأعمى القلب و هو بصير (‬ ‫) فدونك فارغب في عميم دعائها ... فأنت لما تدعو إليه فقير (‬ ‫[ حكي أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه و سلم شاب يسمى علقمة و كان كثير الإجتهاد في طاعة الله في‬ ‫الصلاة و الصوم و الصدقة فمرض و اشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن زوجي‬ ‫علقمة في النزع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم عمارا و صهيبا و بلالا و‬ ‫قال : امضوا إليه و لقنوه الشهادة فمضوا إليه و دخلوا عليه فوجدوه في النزع فجعلوا يلقنونه ) لا إله إلا الله ( و‬ ‫لسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة فقال النبي صلى‬ ‫الله عليه و سلم : هل من أبويه أحد حي ؟ قيل : يا رسول الله أم كبيرة السن فأرسل إليها رسول الله صلى ا الله عليه‬ ‫و سلم و قال للرسول : قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلا فقري في المنزل‬ ‫حتى يأتيك قال : فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : نفسي لنفسه فداء أنا‬ ‫أحق بإتيانه فتوكأت و قامت على عصا و أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلمت فرد عليها السلام و قال‬ ‫لها : يا أم علقمة أصدقيني و إن كذبت جاء الوحي من الله تعالى كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت : يا رسول‬ ‫الله كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فما حالك ؟ قالت : يا رسول الله‬ ‫أنا عليه ساخطة قال : و لم ؟ قالت : يا رسول الله كان يؤثر علي زوجته و يعصيني فقال رسول الله صلى الله عليه و‬ ‫سلم : إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال : يا بلال انطلق و اجمع لي حطبا كثيرا قالت يا‬ ‫رسول الله و ما تصنع ؟ قال : أحرقه بالنار بين يديك قالت : يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين‬ ‫يدي قال : يا أم علقمة عذاب الله أشد و أبقى فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع‬ ‫علقمة بصلاته و لا بصيامه و لا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فقالت : يا رسول الله إني أشهد الله تعالى و ملائكته‬ ‫و من حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : انطلق يا بلال‬ ‫إليه وانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء مني فانطلق‬ ‫فسمع علقمة من داخل الدار يقول : لا إله إلا الله فدخل بلال فقال : يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه‬ ‫عن الشهادة و أن رضاها أطلق لسانه ثم مات علقمة من يومه فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بغسله‬ ‫و كفنه ثم صلى عليه و حضر دفنه ثم قام على شفير قبره و قال : يا معشر المهاجرين و الأنصار من فضل زوجته‬ ‫على أمه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا إلا أن يتوب أن يتوب إلى الله عز‬ ‫و جل و يحسن إليها و يطلب رضاها فرضى الله في رضاها و سخط الله في سخطها فنسأل الله أن يوفقنا لرضاه و أن‬ ‫يجنبنا سخطه إنه جواد كريم رؤوف رحيم ]‬

إرسال تعليق

أحدث أقدم